(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
بعد 20 عاماً عاشها المواطن الدنماركي، أوفه هيلستين، مغترباً يعمل فيزيائياً فلكياً في ولاية كاليفورنيا الأميركية، قرر العودة إلى بلاده، وهو في بداية الخمسينيات من العمر. لكنّ السلطات الدنماركية تقول له اليوم: “يمكنك أن تقيم أما زوجتك الأميركية فعليها العودة إلى بلدها”.
تثير قصة أوفه جدلاً مجتمعياً وإعلامياً في البلاد، فمواطنوه يجدون أنّ قرار لمّ الشمل المطبّق عليه هو نفسه المطبّق على المهاجرين واللاجئين. وليس هو وحده في هذه الأزمة إذ تسجل البلاد أكثر من 200 ألف مواطن مغترب يعملون حول العالم وقد يحرمون من لمّ شمل زوجاتهم (أو أزواجهن) على الأراضي الدنماركية.
في صيف العام الماضي، حزم الرجل أمتعته مع زوجته وطفليه عائداً من الولايات المتحدة الأميركية إلى بلاده. كان قد أرسل كلّ ممتلكاته بحراً بعدما اشترى بمدخراته بيتاً في مدينته الشمالية. تبدّل كلّ شيء لاحقاً، فالمطلوب من زوجته الأميركية كوين دوان مغادرة الدنمارك في 10 يونيو/ حزيران المقبل وترك طفليها تُور (5 سنوات) وميا (7 سنوات) خلفها مع الوالد باعتبارهما دنماركيين نسبة إلى الوالد بحسب القوانين ويحق لهما البقاء على العكس منها.
خلال الأيام الماضية، تحدثت وسائل إعلامية كثيرة عن هذه العائلة، ليعاد تسليط الضوء على قوانين الأجانب المتشددة في الدنمارك.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
ينظر جزء ملحوظ من المهاجرين والدنماركيين إلى وزيرة الهجرة والأجانب، إنغا ستويبرغ، على أنًها “صارمة ومتشددة جداً في تطبيق قوانين جائرة”. كانت ستويبرغ قد أخذت على عاتقها، منذ كانت مقررة شؤون الدمج عن حزبها يمين الوسط الليبرالي في البرلمان، الدفع باتجاه تبني سياسة متشددة مع المهاجرين واللاجئين والأجانب بشكل عام.
أحد القوانين التي تتبناها الدنمارك مع المهاجرين يتعلق بـ”استيفاء شرط الرابط القوي بالدنمارك”. فعلى من يرغب بلمّ الشمل أن يثبت أنّ رابطه بالدنمارك أقوى من رابطه ببلد الزوج/ الزوجة. ومنذ بداية التسعينيات، أدخل رئيس الوزراء السابق، أندرس فوغ راسموسن، من حزب ستويبرغ نفسه، قانوناً جديداً يتعلق بسن المتزوجين، ويسمى “قانون 24 سنة”. جرى تحديد سنّ المتزوجين للمّ الشمل بـ24 سنة بحجة “الحدّ من الزواج المبكر لدى فئات مهاجرة غير مندمجة”.
ولتجنب تطبيق القوانين على الدنماركيين الذين يعملون في الخارج، ويريدون الزواج بمواطنين ومواطنات من خارج الاتحاد الأوروبي جرى تعديلها ليستثنى من المطالب من كانوا دنماركيين في السنوات الست والعشرين الماضية.
في مايو/ أيار 2016 نظرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية لمّ شمل شخص من توغو يحمل الجنسية الدنماركية منذ عام 2002 بعد رفض الدنمارك منح زوجته وهي من غانا إقامة، وحجة الرفض أنّ بإمكانه العيش معها في بلدها. قررت المحكمة الأوروبية أنّ مبدأ السنوات الست والعشرين فيه تمييز على أساس الأصل العرقي. وبعد شهر، اضطرت الوزيرة ستويبرغ إلى إلغائه (28 يونيو/ حزيران 2016) متوعدة بتشديد القانون بطريقة أخرى، وهو ما جرى بعد ذلك فعلاً.
في تلك الأثناء، وقبل أن يشطب القانون كان أوفه قد تقدم بطلب إقامة لزوجته الأميركية لدى دائرة الهجرة أسوة بكلّ المهاجرين. رفض طلبه، وأمرت الزوجة بالمغادرة على الرغم من أنّ الزوجين كانا قبل أقل من عام قد نقلا أصولهما المالية كلّها إلى بلد الزوج، ولم يعد لهما في أميركا شيء. يستغرب أوفه كيف يجري تطبيق قانون إثبات رابط بالدنمارك على الرغم من أنّه دنماركي وغادر للعمل في البحث العلمي مثل عشرات آلاف الدنماركيين المقيمين حول العالم.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
بقيت الوزيرة ستويبرغ متمسكة بتطبيق القانون بحذافيره ليشمل هؤلاء الدنماركيين. وبعد جدل وشبه ورطة قانونية، تتجه الحكومة إلى تعديل برلماني على القانون ليسقط طلب إثبات الرابط بالدنمارك. لكنّ ذلك يشترط أن يثبت الدنماركي العائد إلى بلده أنّ “راتبه السنوي لا يقل عن 408 آلاف كرونة (نحو 54.500 يورو)”. هذا الشرط في التعديل القانوني أثار رابطة المغتربين الدنماركيين، التي تضم أكثر من 220 ألف مواطن، فالعديد منهم يعملون بشكل مستقل وبعضهم متقاعد، ولا يمكن أن يثبتوا مثل هذا الدخل السنوي. حال أوفه مثل هؤلاء، فقد جلب معه استثماراً تعادل قيمته مليون دولار أميركي، لكنّه يعمل الآن بشكل مستقل ولا يستطيع أن يثبت أنّه موظف بالراتب السنوي الذي طلبه القانون.
الأحد الماضي، نشرت الصحف الدنماركية رسالة كتبها الزوج عن وضعه وكيف وجد نفسه في دهاليز قوانين الهجرة. اعتبر أوفه نفسه دنماركياً أصلياً “وأحب وطني، وعدت مرات عديدة لزيارة أهلي مع زوجتي وطفليّ”. أضاف: “عشت 29 سنة من حياتي في بلدي، لكن يبدو أنّ قانون الأجانب يقول لي: لا يمكنك أن تتزوج من خارج الاتحاد الأوروبي”. تابع في رسالته التي أثارت الرأي العام وأضاءت على قانون الأجانب: “استوفيت شرط أنّي دنماركي منذ 26 سنة. ووضعت الضمانة البنكية بمبلغ 53 ألف كرونة، وأثبتّ لهم أنّي لم أتلقَّ إعانة اجتماعية، خلال السنوات الثلاث الماضية، فلسنا أنا أو زوجتي عالة اقتصادية على المجتمع. ونفهم أنّ على زوجتي أن تنجح بامتحان اللغة بعد نصف سنة من منحها الإقامة وعلى الرغم من ذلك رفض الطلب”. يستغرب أوفه أنّ عليه كدنماركي أن يقوم “بأمور كثيرة فقط لأعيش في بلدي مع الزوجة التي اخترتها لبقية حياتي”.
ما يعانيه اليوم الدنماركي (الأصلي) أوفه هيلستين، هو شيء بسيط مما يدور على كثير من الدنماركيين من أصل مهاجر في ظل قوانين ما زالت تنظر إلى هؤلاء على أساس الأصل الإثني، سواء في الإعلام أو السياسة، أو التطبيقات القانونية.
فكثيرون هم الذين لا يحملون الجنسية الدنماركية، على الرغم من أنّهم عاشوا حياتهم كلها في الدنمارك فيجدون أنفسهم مكبلين بقوانين تطبق عليهم دون بقية المواطنين. غيرهم أيضاً يحمل الجنسية الدنماركية لكنّه في السياسة والقانون مصنف أيضاً على أساس الدين والعرق وليس الجنسية والمواطنة. ويعاني بعضهم من تمييز في “الاستخفاف بقضاياهم إن تعرضوا لمصاعب خارج الحدود على أساس الأصل العرقي، بينما تهب الحكومة لمساعدة من هو من أصل دنماركي بناء على الاسم والعرق” بحسب أحد المحامين العاملين في حقل مكافحة التمييز في الدنمارك.
وبينما ينتظر أوفه هيلستين بعد تسليط الضوء على قضيته، قبيل موعد رحيل زوجته إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، ينتظر العشرات، إن لم يكن المئات، قضايا لمّ شمل مؤجلة “على أمل أن نستسلم” يقول لاجئ ينتظر، منذ أكثر من عامين، وصول زوجته وطفليه من تركيا.
كوبنهاغن ــ ناصر السهلي
28 أبريل 2017
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});